جنيف، 7 مارس 2019 - نظم مركز جنيف للسياسات الأمنية (GCSP) يوم أمس حلقة نقاشية عامة بعنوان "اتفاق ستوكهولم واحتمالات السلام الممكن في اليمن". وأوضح الدكتور جين مارك ريكلي، الذي أدار حلقة النقاش، بالتعاون مع الهيئة الدولية للسلام وحقوق الانسان (ILPHR) في جنيف، أن استمرار الحرب في اليمن أصبح من المواضيع الشائكة على المستويين الإنساني والسياسي، وكذلك على استقرار منطقة الجزيرة العربية، مضيفاً أن المركز حريص على تقديم قراءات جديدة تساعد على فهم الأبعاد المختلفة للأزمة اليمنية وتعقيداتها.
كانت المداخلة الأولى لحلقة النقاش التي للدكتور محمود العزاني، الباحث والسياسي ورئيس مؤسسة تمدن، الذي قدم قراءة تحليلية لتحولات الموقف الدولي تجاه الأزمة والحرب في اليمن، وارتباطها بالتحولات على الأرض، وكذلك الأحداث البارزة على المستويين الإقليمي والدولي. كما قام العزاني برصد هذه التحولات وتقسيمها الى ثلاث مراحل: الصمت المريب عشية الانقلاب المسلح كمرحلة أولى، ثم المرحلة الثانية وهي الإجماع الإقليمي والدولي على الإدانة الصريحة للانقلاب والتأكيد على ضرورة استعادة الشرعية الدستورية للدولة ومؤسساتها عقب الانتشار المسلح للمليشيات لفرض سيطرتها المباشرة على بقية المحافظات وما تبقّى من مؤسسات الدولة ومواردها، وهو ما تم تعزيزه بجملة من القرارات الاممية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي تحت البند السابع، وخصوصاً القرار 2216.
أما المرحلة الثالثة فيشير العزاني إلى أنها تميزت، بعد 4 سنوات من الحرب، بتراجع سيطرت المليشيات الحوثية الى ما يقارب 25% من مساحة اليمن، مصحوبة بأزمة إنسانية عميقة افضت إلى مواقف دولية جديدة تباينت ما بين الدعوة لإنهاء الحرب تحت ضغط الانهيار المتواصل للحالة الإنسانية والعودة الى طاولة المفاوضات بهدف الوصول الى حل سياسي للازمة، والاستمرار في التأكيد على ضرورة تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة وإن اقتضى الأمر الاستمرار في العمل العسكري .
وأكد العزاني في نهاية مداخلته على أن خارطة التباين في المواقف بين مراكز القرار في الغرب يعكس حالة التباين في الموقف تجاه الاتفاق النووي بين الغرب وإيران، إذ تسعى بعض القوى الغربية للحفاظ مكاسب الإقليمية للمليشيات المرتبطة بإيران تشجيعاً للأخيرة للاستمرار في الالتزام في الاتفاق النووي بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية منه، حسب رأيه.
أما الدكتور همدان دماج، نائب رئيس مركز الدراسات والبحوث اليمني، فقد تطرق في مداخلته إلى ثلاثة جوانب رئيسية للنزاع اليمني والتي عادة ما يتم تجاهلها، أو عدم أخذها على محمل الجد من قبل اللاعبين الرئيسيين الراعين لعملية السلام في اليمن، حسب قوله، مؤكداً أن هذه الجوانب تشكل عقبة حقيقية أمام جهود السلام الجارية وربما تفسر جزئيا تعثرها الحالي.
وأوضح الدكتور دماج أن أول هذه الجوانب هي ما إذا كان يمكن تصنيف الحركة الحوثية كمنظمة إرهابية على غرار المنظمات الأخرى، بما في ذلك حليفها "حزب الله" ، الذي تم إدراجه الأسبوع الماضي كمجموعة إرهابية من قبل المملكة المتحدة. مشيراً إلى أنه بالنظر إلى التعريف العالمي المشترك للإرهاب فليس هناك ما يمنع من تصنيفها كجماعة إرهابية خاصة من قبل اللاعبين الدوليين الرئيسيين مثل الأمم المتحدة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. ويوضح دماج إلى أن ضبابية موقف المجتمع الدولي من هذه القضية قد يبعث برسائل خاطئة إلى مجموعات عسكرية أخرى (سواء كانت دينية أو سياسية) في اليمن أو المنطقة، وتشجعها لاستخدام العنف والإرهاب كوسيلة فعالة لتحقيق أهدافهم والحصول على الاعتراف الدولي.
كما تطرق الدكتور دماج إلى قضية التمييز العنصري، وعواقبه الجسيمة على تمزيق النسيج الاجتماعي اليمني، قائلاً أن موضوع العنصرية حساس، وقد حاول اليمنيون وغيرهم تجنب الحديث عنه علانية، لكن حضوره القوي في أحداث الصراع خلال السنوات الأربع الأخيرة بات واضحاً. مشيراً إلى أن الحركة الحوثية أخطأت عندما استندت في أيدولوجياتها وممارساتها على البعد العنصري الذي يعطي لأقلية اجتماعية الحق في امتيازات سياسية واجتماعية ومالية تقوض المبدأ الأساسي للمواطنة المتساوية. وأوضح دماج أن العنصرية من قبل الحوثيين قد أثارت نوعًا من العنصرية العكسية التي بدأت تعلن عن نفسها يومًا بعد يوم محذراً من تغافل المجتمع الدولي لهذه القضية التي لا يمكن إلا أن تلقي بظلالها على أي جهود مصالحة في المستقبل.
أما الجانب الثالث للأزمة، حسب رأي دماج، فهي خطورة الاستمرار في تمكين وتشجيع العناصر المسلحة غير التابعة للدولة في المناطق المحررة، الأمر الذي أضعف كثيراً موقف وأداء الحكومة الشرعية، وسيكون له عواقب سلبية مستقبلية على استقرار البلاد وتلبية احتياجات المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة.
هذا وقد تطرقت الأستاذة حورية مشهور، الوزيرة السابقة لحقوق الإنسان في اليمن، في مداخلتها إلى موضوع تأثير الصراعات المسلحة على النساء، مؤكدة أن انقلاب سبتمبر 2014 كان هو السبب الرئيس في تقويض أحلام اليمنيين في بناء دولة النظام والقانون التي كان مأمول منها الحفاظ على حقوق جميع المواطنين نساءً ورجالاً. وأشارت في مداخلتها إلى تفاقم الوضع الإنساني وما تسهم به الحركة الحوثية في استمرار هذه الكارثة، مؤكدة أن الحوثيين هم من يعطلون كل جهود السلام، ولا يريدون الحضور إلى أي مشاورات سلام، كما حصل في الماضي، وما قبولهم المشاركة في مباحثات ستوكهولم إلا بسبب الضغط الدولي، مضيفة "ومع ذلك فإنهم لم ينفذوا شيئا مما تم الاتفاق عليه حتى الآن".
أما الأستاذ أحمد قريشي، الخبير الدولي في سياسة الأمن القومي، وعضو مركز جنيف الدولي للعدالة (GICJ)، فقد أكد على أن إيران كانت ومازالت اللاعب الخفي في أزمة اليمن، وأن عليها أن أن تتقاسم مع دول الخليج والمجتمع الدولي أعباء الحرب في اليمن، مؤكداً أنه بعد كل هذه السنوات من الحرب وتبعاتها الانسانية لم يعد مقبولاً أن تظل تتنصل من التزاماتها المالية والقانونية أما المجتمع الدولي حسب رأيه. مضيفاً أن إيران ما تزال هي الممول الرئيس للحركة الحوثية بالمال والسلاح، مستدلاً بتقرير فريق الخبراء عن الألغام البحرية والطائرات الموجهة. هذا وحذر قريشي من خطورة السكوت عن الدور الإيراني الواضح، منوهاً بأنه في الوقت الذي تتضاعف الضغوط على الحكومة الشرعية والتحالف العربي في موضوع إيقاف الحرب في اليمن لدواعي الحالة الإنسانية المتفاقمة إلا أن دور إيران يظل مسكوتاً عنه في الغرب، خصوصاً من قبل الدول التي تحرص على استمرارية التزام إيران بالاتفاق النووي مع الغرب، حسب وصفه. واختتم قريشي بالقول بأن ازدواج المعاير الدولية واللين غير المبرر مع إيران لن ينتج عنه إلا إطالة أمد الحرب في اليمن.
هذا وقد تخللت حلقة النقاش مشاركات كثيرة من الحضور الذي تنوع ما بين خبراء وأعضاء بعثات ديبلوماسية غربية وعربية وطلاب دراسات عليا.