الرئيسية - تقارير - في حوار اتسم بالجرأة .. قارئ البيان الأول لثورة «26 سبتمبر» المناضل والمفكر محمد الفسيل يكشف المستور .. ويسرد خفايا ماقبل اعلان الجمهورية وما بعدها ..«تفاصيل حصرية»
في حوار اتسم بالجرأة .. قارئ البيان الأول لثورة «26 سبتمبر» المناضل والمفكر محمد الفسيل يكشف المستور .. ويسرد خفايا ماقبل اعلان الجمهورية وما بعدها ..«تفاصيل حصرية»
الساعة 05:17 مساءاً (الحكمة نت - خاص: )
أجرت «صحيفة الوطن» الرسمية في عددها الصادر أمس الأربعاء الموافق: «٢٦ سبتمبر ٢٠١٨» والتي تصدر من العاصمة المؤقتة عدن .. حوارا مطولا مع المناضل الكبير وأحد أهم ركائز ثورة ٢٦ سبتمبر المفكر محمد عبد الله الفسيل .. تطرق فيه الى تفاصيل كثيرة عن احداث ثورتي «١٩٤٨م - و١٩٦٢م» وما رافقتها من احداث وتقلبات، وكذا ما اعقبها من تحولات .. كما استعرض مجريات وتحولات الحاضر بكل تفاصيله.

الحوار اتسم بالجرأة والصراحة .. وشمل قراءة تحليلية عميقة ودقيقة لمجل التحولات التي تشهدها الساحة اليمنية اليوم .. «الحكمة نت» اطلع على اللقاء ويعيد نشره كما ورد.

العنـاوين:

المناضل الكبير وأحد أهم ركائز ثورة ٢٦ سبتمبر المفكر محمد عبد الله الفسيل لـ«الوطن»:

صبيحة الـ ٢٦ من سبتمبر ١٩٦٢م ذهبت راجلا إلى الاذاعة وهناك كتبت البلاغ الأول لقيادة الثورة وأذعته بصوتي

- أخطأت الأنظمة التي تعاقبت على الجمهورية في تركيزها على دعم مراكز النفوذ وإغفالها مسألة تجذير مفهوم الجمهورية في الوجدان الشعبي

- تخلف الأئمة وظلمهم وطغيانهم واستبدادهم كانت دوافعنا للقيام بالثورة

- لم تكن ثورة ٢٦ سبتمبر وليدة اللحظة بل إنها امتداد للحركة الوطنية التي بدأت في الأربعينيات

- ثورة 1948م كانت ثورة متكاملة على الورق لكنها فشلت على الأرض.. وثورة ٢٦ سبتمبر قامت على الأرض وغاب عنها المشروع

- قضيت ١٣ عاما هي زهرة شبابي في سجن الأئمة وفي التشرد أيضا

- ثورة ١١ فبراير ٢٠١١م اندلعت نتيجة استمرار نظام الرئيس الراحل صالح بنفس الآلية الشمولية

- نكبة ٢١ سبتمبر جاءت نتيجة للأخطاء التي ارتكبها نظام صالح خلال الحروب الست.. وأخطاء حزب الإصلاح في الميادين والساحات وفي الحكم أيضا

- الظلم والتعسف والقهر الذي ساد خلال حكم الأئمة أخف وطأة مما يمارسه الإماميون الجدد اليوم

- مليشيا الحوثي تسعى لتنصيب زعيمها عبد الملك إماما مع أنه ليس مؤهلا ولا تنطبق عليه شروط الإمامة

-نهاية الانقلاب الحوثي مرهونة بامتلاك الشعب اليمني لقراره بيده وتوحيد صفوفه.. وأغلب الهاشميين لا يؤيدون الحوثي

- الحوثيون والانفصاليون ليس لديهم مشروع دولة.. ومشروع الدولة يكمن في الشرعية ومخرجات الحوار

- «المجلس الانتقالي» كيان مسيّر وممول ومدفوع من الخارج.. وليس لديه مشروع دولة.. وعدن لم تعد مركزا للقوى الجنوبية

- الدولة الاتحادية والأقاليم الستة هي الخيار الأمثل لليمنيين اليوم.. وعلى الشرعية إصلاح أخطائها

- الدولة اليمنية حتما ستعود وميليشيا الانقلاب والانفصال ستتلاشى وسيستعيد اليمن عافيته من جديد

- الحكومة الشرعية حققت إنجازات عظيمة وأسست للدولة من الصفر.. و«بن دغر» رجل دولة ولديه مشروع ورؤية لبنائها

- رسالتنا للأشقاء في التحالف: عليكم دعم اليمن حتى تستعيد دولتها واستقرارها.. لأن استمرار انهيارها سيدمر المنطقة

حاوره: منصور الصمدي

هو أحد المناضلين المشاركين في الحركة الوطنية، وأحد مؤسسي حزب الأحرار والجمعية اليمنية الكبرى بزعامة الشهيد محمد محمود الزبيري والأستاذ أحمد محمد نعمان ابتداء من عام 1944م .. ساهم مع الأحرار في ثورة ١٩٤٨م الدستورية، وسجن في عهد الإمامة لمدة «١٣» عاما.

شارك مشاركة فعالة في ثورة ١٩٦٢م الجمهورية، وكان أول من كتب وقرأ البيان الأول للثورة في إذاعة صنعاء .. تولى مناصب رفيعة في الدولة منها سفيرا لليمن في كل من: «الصومال، وكينيا، وتنزانيا، وأوغندا، وألمانيا الشرقية، والعراق»، كما عمل مستشارا سياسيا للرئيس إبراهيم الحمدي، وكان من المقربين في بداية عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح .. انتخب عضوا في مجلس النواب عقب إعلان الوحدة اليمنية.

شارك في صياغة دستور الجمهورية اليمنية، كما شارك في صياغة الميثاق الوطني للمؤتمر الشعبي العام، وكان عضوا فاعلا في اللجنة الدائمة للمؤتمر، ثم استقال نتيجة رأيه المخالف للحكم الشمولي، ولكنه استمر ناصحا ومعارضا حتى اليوم، كما شارك في ثورة فبراير 2011م الشبابية.

هو كاتب وشاعر وأديب، له العديد من الكتب والإصدارات السياسية أهمها كتاب «رسائل إلى الرئيس - كيف نفهم القضية الوطنية - نحو النور - ودموع وآلام - أراء في الحياة - وبين الشك واليقين» وكان قد أصدر كتابا في بداية حياته عن الإمام يحيى بعنوان «الرجل الشاذ» .. وحاليا على وشك الانتهاء من كتابة مذكراته .. انه الأستاذ المناضل والقامة الوطنية المعروفة محمد عبد الله الفسيل .. التقيناه ودار بيننا الحوار التالي:

واليمنيون يحتفلون اليوم بالعيد الـ «٥٦» لثورة الـ ٢٦ من سبتمبر الخالدة، وباعتبارك أحد المناضلين الذين أسهموا بشكل فاعل في تفجير ثورة ١٩٤٨م الدستورية وثورة ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢م المجيدة؛ نسألك أولا: ماهي الاسباب والدوافع التي قادتكم لتفجير ثورة ١٩٤٨م الدستورية، وكيف كانت انطلاقتها؟

- الأسباب تخلف الإمام يحيى وظلمه وطغيانه وتعسفاته واستبداد نظامه، هذه الأسباب جميعها دفعت الطلائع المستنيرة من الشعب اليمني إلى محاولة التغيير وأنا واحدا منهم، وقد كانت هذه المحاولة مبكرة جدا لأنها كانت محصورة في طلائع مستنيرة بسيطة بينما الغالبية العظمى من الشعب كانت مخدرة ومضللة وخانعة ومستسلمة، لكننا كمستنيرين قررنا حينها أن لا بد أن نناضل حتى نحرر تلك الملايين المضللة والمخدرة من كابوس الظلم الواقع عليهم، لذلك بدأنا بمطالبة الإمام يحيى بضرورة عمل إصلاحات، وقد اقتصرت مطالبنا تلك في رفع «خطاط» العسكر من بيوت الرعية، وأن تكون الزكاة أمانة، وأن يحسن ظروف الموظفين والعسكر والجيش، وأن يوظف أموال الشعب في بناء المشاريع الخدمية وفتح المدارس والطرقات والمستشفيات بدلا من أن يكنز تلك الأموال في منزله، بمعنى أن مطالبنا كانت بسيطة، ولم نصل لمرحلة المطالبة بإصلاح نظام الحكم، وكنا حينها نريد تحسين الظروف دون التدخل في سلطة الإمام، وعلى الرغم أنه اعتبر من أذكى الأئمة الذين حكموا اليمن إلا أنه كان بخيلا، والبخل يجعل البخيل يعتقد أن الناس يكرهونه فيبادلهم الكراهية، وبالتالي كان الإمام يحيى يحتقر الناس ويبغضهم لأنه يعتقد أنهم يكرهونه، ولذلك تحول إلى طاغية، حيث كان يظلم الناس ويفترض فيهم الشر مسبقا، وقد رفض الإمام جميع تلك المطالب.

آخر محاولة مع الإمام يحيى كانت من الشهيد محمد محمود الزبيري في عام ١٩٤٢م، حيث كان الزبيري في مصر هو والأستاذ النعمان وقد أنشأوا «منظمة الشباب اليمني» ومعهم محمد علي الجفري والصافي من الجنوب، وكانوا حينها يكتبون مقالات وينشرونها في بعض الصحف مثل صحيفة الشورى الفلسطينية وصحيفة الصداقة، وبعدها قام الزبيري بصياغة نظام أساسي، وأسس جمعية جديدة باسم «جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» وقد أراد بهذا الاسم أن يتخاطب مع الإمام وفقا لعقليته، وبعد كتابة النظام الأساسي قام بعرضه على الأستاذ النعمان، وقال له: خلاص أنا قررت أخرج اليمن وأحاول اقنع الإمام بمنطقه الديني لعمل إصلاحات، لكن النعمان قال له: «الإمام عقليته منغلقة ومستحيل يقبل»، ونصحه أن لا يتعب نفسه، وقال له إذا كان ولا بد أن نخرج فلنذهب إلى ولي العهد في تعز لأني أعرفه وبيننا مراسلات، لكن الزبيري أصر على رأيه ورجع اليمن وطلب مقابلة الإمام، وعندما قابله حاول الإمام إهانته، حيث سلم عليه وقال له اجلس هناك وأشار له لمكان بعيد بحيث لا يجلس بجواره، ثم عرض عليه نظام الجمعية، وقال له: هذه يا مولانا دعوه للإصلاح عن طريقكم وأنتم من ستنفذونها وستستفيدون وتفيدوا الناس، وللأسف لم يلقِ الإمام له بالا بل إنه حقد عليه وأمر بسجنه في منطقة «وشحة».

* كيف انتقلتم بعد ذلك إلى تعز حيث مقر ولي عهد الإمام؟!

- بعد ذلك الأستاذ النعمان من مصر إلى تعز، ثم خرج الزبيري من السجن، وبدأوا هناك محاولاتهم مع ولي العهد الوزير، حيث إن الأستاذ النعمان كانت تربطه علاقة وطيدة بولي العهد، ثم راحوا يحفزون ولي العهد من أجل يعمل إصلاحات، فكتبوا له القصائد الحماسية والمدح واستمروا لفترة، وانظم لهم مجموعة من المثقفين، وبعدها في عام «١٩٤٣م» اتصل بي أحمد الشامي وكان صديقي، ونزلت إلى تعز وانضممت إليهم، وقابلت حينها ولي العهد وأصبحت واحدا من الشعراء التابعين له واستمرينا لفترة، وفي إحدى المرات كلفونا بأن ننزل لجمع الزكاة من المواطنين، وفعلا توزعنا كل واحد ذهب إلى مديرية من مديريات تعز، وهناك اكتشفنا الكارثة والظلم الفظيع الواقع على الناس الفقراء وحالة البؤس التي يعيشونها، بعد ذلك عاد النعمان إلى صنعاء لزيارة أهله ثم التقى بالزبيري وهربوا إلى عدن، وكان ذلك في العام «١٩٤٤م» ولحقهم بعدها الشامي والموشكي، وكان قد سبقهم مطيع دماج ومحمد ناجي القوسي، أنا حينها كنت في السجن حيث أمر الإمام بسجني في قلعة دار النسر بجبل صبر وذلك دون أي ذنب، خصوصا أنني لم تكن لي اهتمامات سياسية، وفي العام ١٩٤٥م أطلق سراحي من السجن، ووصلتني رسالة من الزبيري طالبني فيها باللحاق بهم إلى عدن للمشاركة في حركة الأحرار، وفعلا سافرت إلى عدن وبقينا فيها حتى أسقطنا الإمام يحيى.

* ماهي الأسس التي وضعتموها لثورة ١٩٤٨م الدستورية؟ وماهي أسباب فشلها وعدم تحقيقها أهدافها؟!

- في الحقيقة نحن سعينا من خلالها لتغيير الإمام، وقمنا بعمل ميثاق وطني دستوري، وتم الاتفاق مع عبد الله الوزير بأن يتولى الإمامة، لم نفكر بإعلان نظام جمهوري؛ لأن الشعب منغلق ولا يعرف معنى الجمهورية حينها وكان من الصعب إقناعه، لذلك قلنا نغير الإمام كخطوة أولى، كما أنه لم يكن المخطط قتل الإمام يحيى، ولكنه أحس أن هناك مخططا للإطاحة به فاستدعى ولي العهد من تعز إلى صنعاء، وبدأ يرتب لسجنه هو ومن معه، وحينها أصبح الصراع بين آل الوزير وآل حميد الدين وبانتظار من يسبق بالضربة، فتدخل عبدالله الوزير ورتب قتل الإمام، وبالفعل تمت عملية الاغتيال، وتم إعلان الإمام الدستوري الوزير، وللأسف كان أكثر رجعية من الإمام يحيى؛ حيث لم يكن يؤمن بشيء غير جمع المال، وبعد إعلان مقتل الإمام يحيى ثار الشعب ضد بيت الوزير وضد الأحرار المشاركين في الثورة، وخلال 3 أسابيع انتصر الإمام، وألقي القبض على جميع الثوار، أنا قُبض عليّ في ذمار حينها، وتم نقلنا إلى سجن نافع في حجة، وتم إعدام الإمام الدستوري و٢٧ شخصية أخرى ممن شاركوا في الثورة.

* كم الفترة التي قضيتها في السجن؟ وكيف تصف لنا المعاناة التي لاقيتموها فيه؟

- في السجن قضيت 7 سنوات المرة الأولى، و ٦ سنوات المرة الثانية، يعني أني قضيت زهرة شبابي في السجن والتشرد، وفي سجن نافع التقينا بمجموعة كبيرة من الثوار والمثقفين والشعراء، وكنا نعامَل كالحيوانات، ونشرب من بركة بها ماء آسن وأسود ملئ بالقاذورات وبمخلفات الحمامات، وكنا كل يوم جمعة نفاجأ باستدعاء واحد او اثنين من السجناء والقيام بإعدامه، وظل كل واحد منا يترقب مصرعه على الدوام، حينها اتفقت مع أحمد الشامي لتأليف كتاب ندعو فيه الشعب للثورة على الطغيان، وبالفعل بدأنا بتأليف كتاب «كيف نفهم القضية الوطنية» كنا نكتبه على أوراق السجائر خفية ونخبئها لدى أحد السجناء .. وكان يهيأ لنا أن الكتاب سيخرج ويطبع، وعندما يقرأه الشعب سينتفض ضد الامام أحمد، كان لدينا اعتقاد مغلوط، إذ إن الشعب حينها لم يكن يقرأ ولا يعي شيئا، لكن هذا الاعتقاد ساعدنا على مقاومة الخوف من الموت، وفعلا أنهينا الكتاب لكنه لم يطبع ولم يحدث شيء.

* ننتقل لثورة ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢م، برأيك ماهي أبرز عوامل نجاحها؟ وما علاقتها بثورة ١٩٤٨م الدستورية؟

في الحقيقة؛ قبل قيام ثورة ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢م كانت حركة الأحرار موجودة في الداخل والخارج، الذين يقولون إن ثورة ٢٦ سبتمبر جاءت من نفسها مخطئون، بل إنها كانت امتدادا للحركة الوطنية التي أشعلت ثورة ١٩٤٨م الدستورية، بدليل أن من تولوا السلطة عقب قيام ثورة سبتمبر كانوا في الأساس من رواد الحركة الوطنية، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية عبد الله السلال، والجائفي، والقاضي عبد الرحمن الإرياني، وجميعهم سجنوا من قبل الإمام.

* كيف تصف لنا الفرق بين الثورتين؟!

- أنا أعتقد أن ثورة 48 كانت ثورة متكاملة على الورق، حيث كان في ميثاق وطني وتم تشكيل مجلس شورى ومجلس وزراء ووزراء، بمعنى أنه كان هناك كيان ومؤسسات للدولة، إلا أن هذه المؤسسات لم تجتمع ولم تنفذ على الأرض، في حين ثورة ٢٦ سبتمبر قامت على الأرض إلا أنه لم يكن لديها مشروع للدولة ومؤسساتها ولذلك تعرضت للكثير من النكسات.

* حدثنا عن مرحلة قيام ثورة ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢م؟

- أنا في الحقيقة تمكنت من الفرار من السجن في العام ١٩٦٠م وتوجهت إلى عدن، وفي عدن بدأنا نتواصل مع الزبيري والنعمان ومحسن العيني وعدد من الضباط الأحرار الذين كانوا متواجدين في القاهرة، وكان هدفنا إعادة تنظيم الجمعية اليمنية الكبرى، وفعلا بدأنا نشتغل على أساس حركة، وبعد ذلك تدخلت المخابرات المصرية وحصل أخذ ورد بينها والضباط الأحرار في القاهرة، وكان هناك مجموعة من الضباط الأحرار متواجدون في صنعاء، وبدأ الترتيب لتفجير الثورة، وفي العام ١٩٦٢م بدأ الترتيب الفعلي لتفجير الثورة، وتم تكليفي بالدخول إلى صنعاء خفية والعمل مع الأحرار هناك، في شهر أغسطس وصلت صنعاء وفعلا «اشتغلنا شغلا جامدا»، حيث تواصلنا مع الضباط الأحرار وحاولنا إقناعهم بأن لا ينفصلوا عن الحركة الوطنية وبقية الأحرار المتواجدين في الخارج، وتم تكليف أحمد الرحومي للتحاور معنا، وفعلا تفهّموا الأمر، بعدها توجهنا لتكوين خلايا شعبية في صنعاء وفي المناطق المحيطة بها وبالفعل نجحنا في تشكيل خلايا في مناطق «أرحب وحاشد وخولان وبني مطر وذمار» وغيرها، وخلال شهر تشكلت مجاميع كبيرة من القوة البشرية المسلحة، وهؤلاء هم من شاركوا في الثورة، وساعدوا الضباط الأحرار في الإطاحة بنظام الإمام أحمد.

* ماذا حصل يوم الخميس الـ 26 سبتمبر ١٩٦٢م؟ وأين كنت حينها؟

- في الحقيقة، قبل الخميس أرسل الضباط الأحرار للرئيس عبد الله السلال رسالة قالوا له إننا سنقوم بثورة ونريدك أن تقودها، فقال لهم أنا موافق بشرط أن تعطوني الأسماء والمعلومات، ولأنهم كانوا عجلين خصوصا بعد موت الإمام أحمد في تعز ونقل جثمانه إلى صنعاء للدفن، أي لم يكن هناك وقت كي يوافوا السلال بالأسماء والمعلومات، قاموا بإشعال الثورة يوم الخميس دون أن يكون لها قائد، وكان الاتفاق على أن يتم قتل الإمام البدر إلا أن الثوار لم ينجحوا في تنفيذ عملية الاغتيال، ويومها كنت في بيت عبد السلام صبرة، وكنا نتابع قصف مقر الإمام من سطح المنزل، وبقيت أنا وعبد السلام صبرة نعد مقذوفات الدبابات حيث كنا نعلم أن عدد «الدانات» المتوفرة معهم «23» دانة فقط، وكانوا قد أطلقوا 18 دانة وبقي معهم 5 مقذوفات فقط، بعدها نزلت أنا من السطح واتصلت بالكلية الحربية، أجابني عبد الله جزيلان مدير الكلية، قلت له: «من معي؟» قال من أنت؟ قلت مواطن يريد نصيحتكم، وقلت له لم يتبق مع الضباط سوى ٥ دانات، وأنتم قريبون من قصر السلاح ولم تحتلوه إلى الآن وكل الأسلحة فيه، قال: من أنت؟ قلت مواطن ينصحكم إلى ضرورة السيطرة على قصر السلاح فأغلق التلفون على وجهي، لكنهم بعدها أرسلوا مجموعة احتلت قصر السلاح.

* ما حقيقة انك انت من كتبت البيان الأول لثورة ٢٦ سبتمبر وأنت من قرأه في إذاعة صنعاء؟

- أنا كنت مكلف أنا والدكتور عبد العزيز المقالح وعبد الرحمن جحاف بتولي أمر الإذاعة، حيث قالوا لي إنهم سيرسلون لي مصفحة في الفجر لتنقلني إلى الإذاعة، وفي الصباح صحوت مبكرا ولم تصل المصفحة فتحركت على قدمي إلى بيت المقالح، سألت عنه قالوا إنه غير موجود في البيت، فتوجهت إلى الإذاعة، وخلال الطريق كنت أشاهد الجنود التابعين للبدر وهم متمترسين في الشوارع، حتى وصلت إلى ميدان التحرير الذي كان يعتبر مكان شرارة الثورة، وهناك شاهدت مصفحة وعددا من الضابط والعسكر الثوار، سألوني أين أنت ذاهب؟ قلت لهم: ذاهب إلى الإذاعة، فسمحوا لي بالمرور، وصلت الإذاعة وكان هناك دبابة طرف الميدان فيها 2 من الضباط كانوا نائمين، ودخلت الإذاعة وسألت الحراس أين حسن العمري، قالوا مريض وأنه نائم في غرفة العساكر، وسألت من المسؤول عن الإذاعة قالوا صالح الأشول، وكان يعرفني جيدا، قلت لهم قولوا له يحضر الآن وفعلا استدعاه العسكر، ولما وصل فتح المبنى قلت له لم لم تفتحوا الإذاعة؟ قال لا توجد لدينا تعليمات، قلت إذا لم تشتغل الإذاعة ستخرب الدنيا، وكانت الساعة الخامسة والنصف قبل طلوع الشمس، قالوا خلاص سنقوم بتشغيلها، وكان المسئولون عن البث علي الأبيض ومحمد الشعبي في الاستوديو، ومحمد الهمداني مسؤول المولد الكهربائي، قلت أرسلوا لهم يحضروا ولما جاءوا قلت نريد أن نفتح الإذاعة فقاموا بتشغيلها، وأنا دخلت مع محمد الشليمي إلى الاستوديو واتفقت معه أن يتولى عملية التنفيذ على الهواء، وفعلا بدأنا البث بالقرآن الكريم، وحينها لم يكن لدي أي بلاغ أو بيان أو أي ورقة وكل البيانات والبلاغات التي كنا قد كتبناها أرسلناها للضباط الأحرار من أجل أن يطلعوا عليها ويقرّوها ثم يعيدوها، لكنهم لم يعيدوا لنا شيئا فبدأت أتصرف من نفسي، وبعد القرآن أشار لي الشليمي بأن ابدأ الكلام فقلت: هنا صنعاء إذاعة الأحرار، إذاعة الثوار، إذاعة الشعب، إذاعة الجمهورية اليمنية العربية، قدمت كلمة اليمنية قبل العربية، ثم أشرت للأخ محمد الشليمي، وهو فتح نشيد الله أكبر يا بلادي كبري.

* ماذا عن البيان الأول الذي أذعته؟

بعدها أخذت ورقة وقلما وكتبت البلاغ الأول، بلاغ من قيادة الثورة طالبت فيه الشعب منع التجول وإغلاق المجال البري والبحري والجوي، مع أننا لم نكن نمتلك شيئا من ذلك، كما أن الناس لم يكونوا يعرفون ماذا يعني منع التجول ولم يمتنعوا عن ذلك، فقد خرجنا بعدها والشوراع تضج بالناس، وقد استمررت لوحدي في الإذاعة حوالي ساعة ونصف بعدها وصل عبد الله حمران ومحمد الشرفي والمقالح وعبدالوهاب جحاف، وهم كانوا مكلفين قبلي في الإذاعة، بعد ذلك انهار الملكيون ووصلتنا برقيات تأييد من مختلف الوحدات العسكرية والقبائل في المحافظات.

- هل فعلا شاركت في كتابة أهداف الثورة؟

في الحقيقة بعد أن وصل بقية الإخوة إلى الإذاعة نزلت أنا إلى مكتب الإدارة أكتب أهداف الثورة، وبعدما أكملت كتابتها وكانت فقط هدفين: إسقاط النظام الملكي وإقامة النظام الجمهوري، ورفع مستوى الشعب اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا .. اما الاهداف الستة فقد صيغت بعد ذلك بأيام .. ثم اتصلت بالأستاذ أحمد المروني وكان مدير الإذاعة، قلت له لماذا لم تحضر فاعتذر بحجة أنه مريض؟ بعدها أرسلنا له مصفحة وأرسلت أهداف الثورة معها ثم اتصلت بالمروني، قال: من أنت؟ محمد؟ قلت: نعم، قال العام يقدم على الخاص، الجمهورية العربية اليمنية وليست اليمنية العربية، قلت تعال وبعدين خير، بعد أن وصل المروني وأقررنا صياغة الأهداف، وتم إذاعتها من قبل علي قاسم المؤيد، وبعدها بقينا نذيع البلاغات والبيانات، وأنا لم أكن في الواقع مذيعا ولكن دخلت بالصدفة وجلست 3 أيام في الإذاعة.

* برأيك ما هي أبرز الأخطاء التي ارتكبتها الأنظمة الحاكمة التي تعاقبت على الجمهورية حتى اليوم؟

- في رأيي أن أبرز الأخطاء وأولها يكمن في أن ثورة ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢م قامت وليس لديها مشروع لبناء دولة بالمعنى الحقيقي للدولة والمؤسسات، أما عن الأخطاء التي تلت ذلك والتي ارتكبتها الأنظمة الحاكمة فتكمن في أن الرؤساء ركزوا على الاستناد إلى مراكز النفوذ من المشايخ والضباط، وأهملوا مسألة بناء دولة المؤسسات والاستفادة من السياسيين والمثقفين، كما أغفلوا مسألة تجذير مفهوم الدولة والجمهورية والديمقراطية في الوجدان الشعبي، لذلك ظلت الدولة مجرد هيكل خارجي خاوٍ من الداخل تماما.

* شاركت مع الشباب في ثورة ١١ فبراير ٢٠١١م، برأيك ما هي دوافعها؟

- دوافعها تتمثل في أن نظام الرئيس الراحل علي عبد الله صالح استمر بنفس الآلية الشمولية، وبعد أن كان قد استنفذ كل إمكانيات الحكم الشمولي، جاءت الثورة الشبابية الشعبية ضده تعبيرا على أنه لم يعد يصلح للحكم، ورغم محاولته احتواءها إلا أنه فشل.

* من وجهة نظرك ما هي أسباب فشلها؟! أو أين يكمن الخلل فيها؟

- ثورة الشباب بدأها الشباب والناس بشكل تلقائي، بمعنى أنها جاءت تعبيرا عن الإرادة الشعبية، لكن ما حصل أن بعض القوى والمكونات السياسية سعت إلى احتوائها وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، حيث عمدت هذه القوى إلى حرف مسارها والسيطرة عليها وتوجيهها في سبيل تحقيق مكاسب خاصة، وللأسف كانت تلك أكبر غلطة وخطأ ارتكبه حزب الإصلاح، فقد كان يفترض به أن يشرك جميع النخب المستنيرة من المكونات السياسية المختلفة فيها ويُمكنهم من إعداد مشروع جماعي مشترك، لكنه للأسف استخدمهم دون أن يترك لهم فرصة لعمل شيء، ولذلك فشلت الثورة ودفع ثمن ذلك الجميع.

* ماذا تقول عن نكبة «٢١ سبتمبر ٢٠١٤م» التي تسببت بها مليشيا الحوثي؟!

- في الحقيقة هذه النكبة جاءت نتيجة للأخطاء التي ارتكبها حزب الإصلاح في الميادين والساحات وفي الحكم أيضا، عندما شارك في حكومة «باسندوة» فقد حاول أن يستحوذ على السلطة مع أنه في الحقيقة ليس مؤهلا لأن يبني دولة من الأساس.

* برأيك كيف استطاعت ميليشيا الحوثي أن تطيح بجميع المكونات وتنقلب على الشرعية؟

- أولا: إن الحروب الستة التي خاضها نظام علي عبد الله صالح ضدها لم تحسم أمر هذه الجماعة، ثانيا: إن هذه الحروب أكسبتهم خبرات؛ خبرة قتالية وسياسية أيضا حيث بدأوا التواصل مع إيران وتحصلوا على دعم منها، والخطأ الاكبر الذي ارتكبه علي عبد الله صالح أنه ظل يتأملها في حين هي تكبر وتتوسع وتمتلك أسلحة ثقيلة دون أن يعمل شيئا، والخطأ الثاني أنه تحالف معها بهدف تصفية حساباته الشخصية مع بعض خصومه، وللأسف كان هو أحد ضحاياها.

* كونك عايشت حكم الإمامة السابق وحكم الإمامة الجديد المتمثل في ميليشيا الحوثي؛ كيف تقارن بين النظامين؟

- الأئمة خلال الفترات الماضية كلها كان بعضهم يؤمنون بمسألة احتكار أولاد البطنين للإمامة، لكن بعضهم الآخر كانوا يؤكدون أن مسالة اختيار الإمام من حق الأمة كلها وليست حكرا على الأسرة، كما أنهم كانوا واضعين شروطا للإمام، لكن الآن نلاحظ أن الحوثة يريدون تنصيب عبد الملك الحوثي إماما مع أنه غير مؤهل لذلك ولا تتوفر فيه شروط الإمام نهائيا، هذا من جانب، الجانب الآخر صحيح أنه كان هناك ظلم وتعسف وقهر خلال عهد الإمام، لكن ما يحصل اليوم من انتهاكات فاق وتعدى كل التصورات.

* في ظل سيطرة ميليشيا الحوثي على الحكم وتوغلها في مفاصل الدولة، ماهي الرسالة التي توجهها للشباب واليمنيين عامة كي يستعيدوا الدولة ويحافظوا على النظام الجمهوري؟

- من وجهة نظري أنه لو استطاع الشعب اليمني أن يملك إرادته ويملك قراره بيده بعد أن أصبح للأسف بيد الآخرين ففي هذه الحالة سيتمكن من القضاء على ميليشيا الحوثي، خصوصا أن أغلب الهاشميين الآن لم يعودوا مؤيدين لها، لأن الحوثيين نهبوا كل شيء وجعلوا من الآخرين واجهة، كما أن هذه الميليشيا أساسا لا تمتلك مشروع دولة وليس لديها رؤية لبناء دولة، ونصيحتي لليمنيين بأن يوحدوا صفوفهم ويتركوا خلافاتهم الصغيرة جانبا، ويعملوا على استعادة دولتهم وجمهوريتهم التي سقط في سبيلها آلاف الشهداء.

* على غرار ميليشيا الانقلاب في الشمال ظهرت ميليشيا جديدة في الجنوب تدعو إلى الانفصال، وسعت إلى تشكيل وحدات عسكرية خارج إطار الدولة والشرعية محاولة إسقاط الدولة، كيف تنظرون إليها أو كيف تفسرونها؟

- الحوثيون في الشمال والانفصاليون في الجنوب ليس لديهم مشروع دولة، ومشروع الدولة يتمثل في الشرعية ممثلة برئيس الجمهورية وفي مخرجات الحوار الوطني، وما سوى ذلك لا يمتلكون مشروع دولة، وعلى الحكومة الشرعية حتى لا تسقط أن تبدأ في تطبيق مشروع الدولة المتمثلة في «مخرجات الحوار الوطني» وعملية تنفيذها من وجهة نظري تبدأ بقيام الحكومة الشرعية بتشكيل لجنة يطلق عليها اسم «لجنة الحوار الوطني» وتتكون من «٧ إلى ١٠» شخصيات يمنية من سياسيين ومفكرين، وتكون مهمتها العمل على تقريب وجهات النظر بين الشرعية وجميع القوى الأخرى المعارضة لها سواء كانوا جنوبيين أو شماليين.

* كيف تعلق على من يطالبون بالانفصال اليوم؟

- بصراحة مسألة الانفصال أو المطالبة به خطأ كبير ليس وقته الآن، كان وقته المناسب في عام «2007م» عند ظهور ما سمي بالحراك الجنوبي، أما بالنسبة لما يسمى اليوم بـ«المجلس الانتقالي» فهو عبارة عن كيان مسيّر وممول ومدفوع من الخارج، وليس لديه مشروع دولة، وكل ما يفهمه هو أن الشماليين لا يدخلون الجنوب ولا يدخلون أرضنا!، لذلك هم لا يفتقدون فقط لمشروع دولة بل إنهم يحملون مشروع خراب لا أكثر!، كما أن دولة الجنوب كانت تتركز سابقا في عدن وما حولها، والآن عدن لم تعد هي القوة الحقيقية، بل إن القوى الحقيقة للجنوب تتمثل الآن في حضرموت والمهرة وهي التي تمتلك القوة والفكر، ولذلك أنصح الشرعية بمحاورتهم، وفي رأيي إذا كانوا يريدون انفصالا فليؤجلوا الفكرة اليوم وبعد إقامة الدولة الاتحادية المكونة من الأقاليم يمكنهم تجربة الأمر لمدة 5 إلى 7 سنوات وإذا لم يعجبهم يمكنهم عمل استفتاء وتقرير مصيرهم، لكن الآن الوقت خاطئ وغير مناسب.

* كيف تنظر إلى مشروع الدولة الاتحادية المكونة من 6 أقاليم؟

- أقول بوضوح أنا مع كل ما ورد في مخرجات الحوار الوطني ومع فكرة الدولة الاتحادية المكونة من 6 أقاليم، فهي الخيار الأمثل بالنسبة لليمنيين اليوم، لكنني لست مع الوضع الحالي للشرعية، إذ إن هناك أخطاء في الشرعية ويجب إصلاحها وتفاديها، يجب أن تتحول العقلية الشمولية في الشرعية إلى حكم حقيقي يطبق مخرجات الحوار الوطني، وعملية التطبيق لن تتم ما لم تكن هناك تفاهمات بينها وجميع الأطراف الأخرى.

* كيف تعلق على النجاحات التي حققتها الحكومة الشرعية في عدن والمحافظات المحررة حتى اليوم؟

- في تقديري ما حققته الحكومة يعد إنجازا عظيما خصوصا إذا ما نظرنا وقسنا ذلك بمجمل الصعوبات والعراقيل والتحديات التي واجهتها في تلك المناطق والتي أهمها التأسيس للدولة من الصفر، وبصراحة رئيس الحكومة الدكتور بن دغر رجل مثقف وسياسي محنك وأنا أعرفه جيدا، وما قام به ويقوم به وكل ما حققه يؤكد أنه رجل دولة ولديه مشروع ورؤية لبنائها.

- ماهي رؤيتكم لمستقبل اليمن، وما مدى إيمانكم بتحقيق النصر؟

- مستقبل اليمن؛ أنا رأيي أن الدولة اليمنية حتما ستعود دولة صحيحة، لكن ليس الآن، بل إنها ستمر فترة والوطن في حالة شتات، خصوصا أن إيران تسعى بكل قوتها لتمزيق البلد لكن ذلك لن يدوم طويلا، وميليشيا الحوثي بلا شك ستزول ودعوات الانفصال حتما ستتلاشى، وسيستعيد اليمن دولته وأمنه واستقراره من جديد.

* كلمة أخيرة؛ ما الذي تود قوله في ختام اللقاء؟

- أحب أن أقول للتحالف العربي وعلى رأسه المملكة العربية السعودية أنه يجب أن تفهموا حقيقة واحدة وهامة وهي أنه: إذا لم تقم في اليمن دولة مستقرة فسيكون اليمن عامل تخريب للمنطقة كلها، وبالتالي أنتم مطالبون بمساعدة اليمنيين من الآن على بناء دولتهم وحتى تصبح لتكون ضمن دول مجلس التعاون الخليجي، وما عدا ذلك ستتحول اليمن إلى مركز إرهابي رهيب وخطير وسيطال بتداعياته المنطقة والإقليم بشكل عام.

* نقلاً عن «صحيفة الوطن» الرسمية العدد الصادر أمس الأربعاء.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص