سام الغباري
يوم كُنّا ملوكًا..!!
الساعة 09:15 مساءاً
سام الغباري
ذات يوم ، كُنّا أولاد عم ، والجدّ في قصره الملكي عابدًا قانتًا ، آمرًا عادلًا يتلو مبادئ "الرحمانية" ويُسبّح لله الواحد الرحمان ، وفي مخلاته تعاليم ملفوفة بورق البردي ، عليها نقش من حبر والده النبي هود عليه السلام .

- إبنه "قحطان" جدّي، ومنه جاء "يمن" ، و"يعرب" الذي انتسبت إليه العرب ، وإلى "أبين" و "شرعب" و "ذمار علي" وغيرهم تناسل القحطانيون ملوكًا ، فصاروا تبابعة وسبأيين وحميريين ، في جرابهم ألف ألف ملك ، وعلى ألواح الحجارة كتبوا المُسند في راحلة مُلك لا يعرف الملل حتى بلغوا اميركا قبل "كولومبس" بألفي عام ، وعلى جنباتهم وذرياتهم تناسلت النبوة ، فولِد عاد وشعيب وإلياس وذو الكفل وصالح . رسل الله الذين تتوجت بهم سُلالة المُلك وعلت بهم النبوة قدرًا يتصل بالرحمة الإلهية .

- فجأة .. وجد أولئك الملوك كل شيء مبعثرًا ، غزاهم الفرس الذين كانت بلادهم روضة وأرضًا تدين لتبابعة عظام ، فتمكنوا منهم خدعة واحتيالًا وبنوا المستوطنات الفارسية ، وبدأوا الحرب من الداخل ، وأنحسر الملوك في ضعفهم وتبادلوا الجهل كموروث مقدس ، واشتبكوا بينهم على فقه المواريث ، فيما سيطر الفارسيون على فقه الدولة وانتجوا نظريات الحُكم المقيدة في سلالة واحدة تنتسب إلى رجل من قريش . وأدخلوا اليمنيين في نفق مظلم ومعارك طاحنة وهم أولاد عم تستهويهم النبوة فيخضعوا له نهجًا وامتثالًا لأوامر عزيز مقتدر .

- إستمر الكهنة الفارسيون في تغيير ملامح المجتمع اليمني ، حاصروا الملوك الذين كانوا تبابعة فأرجعوهم الى أقيال ، ثم صاروا مشايخًا على مناطق صغيرة ، وانشأوا على غرار الريف مُدنًا لهم فيها القضاء وديوان الإمارة والسلطة والخيل والمرتزقة الذين لا يراعون دمًا أو حرمة ، نفّذوا خُطط التقسيم الى هويات صغيرة ، واحتفظوا بهويتهم الأم ، انتجوا آلاف الكتب وأحرقوا كل كتاب لنا ، فما ظهر منّا شاعرٌ أو أديب أو مفكر ، أو قاضٍ شهير بحجم الأرض ، غرقنا في الجهل والبؤس والحرب ، وتبدّل المشايخ بقوة الإمامة وسطوة عساكرها المجرمين فصاروا ولاة في يد الجلاد المشعوذ .

- اصرارهم على التنكيل باليمن في هويته وبأسه وتاريخه ومكانته ورهنه في التخلف يطلق في رأسي ألف سؤال ، هل يخشون عودة التبابعة الذين بشّر بهم حديث "محمد" المصطفى صلوات الله عليه عن عودة الأمر الى حمير؟ . أم أنني أتوهم نظرية المؤامرة ؟ وأفاخر بتاريخ لا يُشبع أحدًا هذه الأيام ، وأصبو إلى وهم عودة حِمير كمن يهفو قلبه إلى عاد أو ثمود ؟

لا أجد سوى الأمل إجابة ، والتفاؤل ردًا على حيرة الأسئلة وعفويتها ، اتطلع الى اليمن كهوية تنتج حراكًا اجتماعيًا قادرًا على تأمين الانتقال الى مرحلة الدولة وصياغتها وفق أسسها الأولى وسيعرف كل يمني أنه صوّب سلاحه في وجه إبن عمه ، وقذف الطلقات إلى وجه عشيرة ينتمي إليها ، فاليمن والد الجميع من المهرة الى صعدة ، ولا دخيل بيننا إلا ذلك الدّعي بهوية تُخالف قوانين اللجوء الانساني وتهدد على الدوام أهل البيت الأصليين بنزوح مستمر وحروب تُقطّع أرحامهم وقرابتهم ، وتنثر البغضاء بين شمال وجنوب وأعلى وأسفل وشوافع وزيود واحزاب يمينية ويسارية .

اليمن ورثنا الأغلى ، وإلغاء كل الهويات الصغرى مقابل استعادة روح المُلك وبأس قحطان ونبوءة هود وإيمان محمد أنبل الأهداف التي تحرق الشياطين في أوكارهم ، وتُعيد لليمنيين جنتيهم عن يمين وشمال .. فهل من مُدّكر؟.

*نقلا عن صحيفة «الوطن» الصادرة اليوم.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص