الرئيسية - أدب عربي - قصة قصيرة: رسالة إلى رجل صامت..!!
قصة قصيرة: رسالة إلى رجل صامت..!!
الساعة 07:44 مساءاً (الحكمة نت - خاص: )


بقلم الأديبة والروائية الجزائرية: كرْما الإبراهيمي

تحياتي يا زوجي العزيز .. اسمح لي اليوم ألا أحييك كالعادة بوردة وصباح بنفسجي المذاق .. اسمح لي بأن أهديك مع هذا الصباح شيئا غير قهوتك المفضلة وشرفتك المفتوحة على العصافير والشجر .. اسمح لي أن أغير عاداتي اليوم وأكون غير تلك التي عرفتها لسنوات نسخة عنك.

أعتذر لأنك ستبدأ صباحك اليوم بشكل مغاير .. اسمح لي أن أمنح نفسي اليوم إجازة من أوامرك وأتنشق هواء نقيا من دخان سيجارتك التي كانت تملأ البيت .. اسمح لي أن أختبر مواهبي في التعبير على الورق بدل البوح بها في وجهك الذي رافقني كل هذه السنوات .. دعني أرتب ما تبقى من العمر على طريقتي، ودون أن آخذ الآخرين في حسباني.

ستستيقظ هذا الصباح دوني وستجد بيتك دون أن ينقص منه جدار أو نافذة .. ستجد أشياءك كما هي وستجد أشيائي أيضا .. ستستيقظ فقط دون قهوة، ودون وردة، ولا أعتقد أن هذا سيؤثر بك كثيرا لأنك كنت دائما تتناول قهوتك وتهمل الوردة.

يحدث أن ننسى في زحمة الأيام بعض الأشياء .. يحدث أن ننسى موعد عشاء أو وعدا برحلة .. ننسى أن نحضر شموعا أو ورودا في عيد الحب، لكن أن يتحول النسيان إلى قاعدة نجبر الآخرين على قبولها، فهذا يخل بطعم الحياة .. هل انفعلت يا زوجي العزيز لأن قهوتك لم تكن حاضرة والعصافير لم يوقظها أحد ككل صباح لتغرد لك؟.

اهدأ قليلا .. وجرب أن تعد قهوتك اليوم وتتعود على ذلك .. امنح لحظة من وقتك الثمين لي وأنا غائبة، ما دمت لم تمنحن إياها وأنا حاضرة .. امنح لحظة من وقتك لتقرأ رسالتي إليك.

أدري أنك لم تتوقع يوما أن تقرأ كلماتي في سطور باهتة مع صباح بلا قهوة ولا عصافير .. وأدري أنك ما أحببت غير رسائل العشق التي كانت تصلك كل صباح باسم امرأة متيمة.

لا أنتظر ردك الطويل فأنت لم تتعود سوى على تلك الجمل التي تزين بها بريد معجبتك المتيمة كل صباح كقولك: كلماتكِ تجعلني سعيدا..لا تغيبي لأستطيع تحمل الأيام .. يؤسفني أنك لم تكن تستطيع تحمل الحياة لولا تلك الكلمات .. بينما أنا أحرق خلفك أيامي وبعضا من دموعي .. أحرق خلفك ما تبقى من وجع اللحظة كلما أوغلتَ في الصمت وتركتَ لي فراغ القلب.

عشقتُ عينيك أعرف، وعشقتُ فرحتي بك كلما كان الآخرون ينادونني بالسيدة فلان .. أنت يا زوجي العزيز .. كان اسمك يتلألأ في عيني وفي القلب كنتُ أدفئك بقصيدة حب.

عشقت يديك الساحرتين حين تصطحبني إلى مكان يدعوك إليه الآخرون، ويختاره الآخرون، ويسعد به الآخرون إلا أنا .. عشقت كلماتك التي كنت تنتقيها لترحب بنساء الآخرين، وتتركني مرمية على حافة طاولة لا أشكل سوى رقم مضاف عليها.

عشقتك لو تدري رغم الفراغ، ورغم البرد الذي كان يحيطني ووحده يؤسس أيامي إلى جانبك .. رغم البيت الذي كان يضيق حتى ليكاد يكتم أنفاسي.

هل عرفت ذلك يا زوجي؟ .. هل عرفت أنني كنت تلك العاشقة التي تصلك كل صباح رسائلها وترد عليها بقولك: لا تغيبي لأستطيع تحمل الأيام؟ .. هل عرفت اللحظة أنني كنت دوما مستعدة لأرضي غرورك وأتحمل غدرك؟.

الأمر لا يمكنه أن يؤثر بك، ولا أن يجعلك تشعر بالندم لأنك خسرت امرأة مطيعة بكل المقاييس .. كما أنك تعودت أن تأخذ دوما دون أن تفكر مرة في العطاء.

هل أزعجك كلامي .. هل شعرت بالخسارة؟ اهدأ وخذ نفسا عميقا.. واسمع ما تبقى لدي من كلام طالما احتفظت به في القلب لكي لا أجرح شعورك المرهف.

كنتُ أُجمل الأشياء كل يوم فقط لأتحمل بؤسها .. كنت أصنع عالما من الشموع والورود فقط لأنسى غيابك الدائم .. كنتُ أتعلم كل صباح من العصافير التي تغرد دون أن تنتظر منا شكرا، ومن النسيم الذي يداعب وجوهنا ليمسح عنا تعب اللحظة.

كنتُ أستيقظ كل يوم لأجل أن أرى وجهك وأعد قهوتك وأصنع يومك .. كنتُ أستيقظ فقط لأنك يجب أن تكون سعيدا .. أدور في فلكك كنجمة هاربة من الانطفاء إلى الموت دون أن تدري.

ونفسها الأيام لا تتغير ولا أنت تغيرت .. وجهك البارد يعيدني إلى زمن الحريم الغابر .. أتحدث عن الشعر وعن الرقص وعن موت الأطفال في العالم لكنك تظل صامتا.

وجهك البارد كعادته يسلبني رغبتي في الركض والفرح، يسلبني رغبتي في أن أعانقك حين يأتي المساء، ويأتي الشوق إلى القلب.

حلمي كان أن أرى وجهي بعينيك كلما ضمتنا لحظة حب، أن أشعر بلمسة يديك كلما جمعنا ليل دافئ .. وأن تضمني بصدق كلما باغتنا ليل تحت ضوء القمر .. حلمي كان أن نتبادل الأدوار يوما، فتصحو قبلي وتعد لي قهوة دافئة على ضوء عينيك ووردة.

هل أدركت أن أحلامي كانت أصغر بكثير مما ظننتَ يا زوجي العزيز؟ .. هل أدركت أنني كنت دوما أدفع من عمري لتعيش عمرك أنت؟ .. هل تدرك متى بدأت أعي تلك التفاصيل الصغيرة التي تمنحنا ألق الحياة؟ .. يوم أخطأت وأحببتك أنت .. أنتَ أيها الخائن الذي بقيت إلى جانبه كل هذه السنوات دون أن يتعلم معنى الحب.

لكني أدرك الآن أنني تحملتك أيها النذل كل هذه السنوات لأنني اعتقدتك رجلا يمكنه أن يمنح الآخرين بعضا من قلبه .. لكنك كنت مجرد رجل لا يتقن سوى استغلال مشاعر الآخرين.

يوم عرفتك يا زوجي العزيز كنت شاعرا وكنت تكتب إلي أشياء جميلة .. هل تذكر رسالتك الأولى؟ .. كتبت إلي على ورقة ملونة بالقلوب والورود: "أنتِ أجمل فرحة ملأت الروح وأدفأ زهرة عطرت القلب .. سيكون العمر عشقا خرافيا نمضيه معا..".

وما كان لي إلا أن أصدق .. ما كان لي إلا أن أسافر خلف عشق خرافي ظل على الورق .. ما كان لي إلا أن ألاحق الكلمات وأرسم بقية القصة .. عمْر من الأمنيات مع رجل لي .. رجل أخذ العمر مني واكتشفت أنني كنتُ خارج كل أمنياته.

رجل كنتُ وحدي التي تعرف كم أنا بائسة إلى جانبه حين يلتهمني الفراغ والبرد وصمته وحده يصنع اللحظة .. وتعودت أن أكذب .. تعودت أن أعيش دور امرأة ليست أنا .. امرأة تدعي أنها سعيدة لئلا تواجه نفسها بتعاسة أيامها .. كنت أخشى أن أستيقظ ذات صباح وأجدني بلا أحد حتى ولو كنت أنت يا زوجي الصامت والخائن؟.

كنت أخشى أن أستقبل الصباح وأنا امرأة وحيدة .. كنت أخشى أن يراني الآخرون دون يدك التي أتأبطها، وأنا أعلم أن العديد من نسائك صادفنني في زاوية ما وضحكن من امرأة كانت بنظرهن مغفلة؟.

هل أدركت ما كنت أعاني؟ .. الخوف من الوحدة جعلني أبيع عمري للريح وللصمت وأبقى إلى جانبك .. أدري أنك منحتني ذاك الامتياز وبقيت إلى جانبي ولكن ليس باسم الحب بل باسم الحاجة .. أعترف أنني أخطأت حين أوقفت عمري باسم الخوف، وأن أكذب لأرضي الآخرين.

ها أنا اللحظة أحرق كل رسائلك التي من كذب، ها أنا أكتشف غبائي وأنا أدس تلك الأوراق في قلب القلب، لأشعر بطعم الحب الذي لم يكن إلا كلمات باهتة.

ها أنا أكتشف بؤس العالم وزيفه من حولي، العالم الذي تحملته لأجلك وأحببته لأجلك .. ها أنا أكتشف أن الفرار من سجنك متعة .. وأن حريتي هي الاختيار بين بؤسي والرحيل إلى حيث أكتشف العالم من جديد دون أن أقدم تنازلات لرجل يشبهك يا زوجي العزيز.

أخيرا هزمت خوفي .. هزمت يدي التي تعودت أن ترضي الآخرين بينما البرد وحده يملأ كل ما حولي .. هزمت وحدتي التي طالما دفعت بي لاحتضانك في لحظة كنتَ فيها ترغب بغيري .. أشكرك يا زوجي العزيز على قسوتك التي جعلتني أتقن السير على النار وحدي.

وحين تنتهي من هذه الرسالة سأكون تجاوزت البحر والسماء لأبدأ حريتي، وما يؤسفني يا زوجي العزيز أنك لم تتناول قهوتك اليوم .. رجاء لا تنتظر عودتي وامنحني تأشيرة الخروج من أسرك الطويل وابحث عمن يعد لك قهوتك، ويفتح لك نوافذ البيت لتغرد العصافير، فأنا تعلمت أن البعد عن رجل يشبهك يا زوجي العزيز لا يعني الموت بقدر ما يعني راحة وسعادة، وأنني الآن فقط سأبدأ الحياة.

تمت،،،

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص