الرئيسية - أدب عربي - إرتجافات روح..!!
إرتجافات روح..!!
الساعة 11:35 مساءاً (الحكمة نت - خاص:)

قصة قصيرة .. بقلم: ورده عوض بلسود
اختبأت في زاوية الغرفة، يتسلل الظلام من الجدران إلى عيني، ثم يغور عميقاً في رأسي .. يزاحم أفكاري كأسراب غربان، وينفث في صدري كآبة خانقة .. أحسست لحظتها بعطش لا يروى، فيما وجهي يتصبب عرقاً كما لو كنت في جوف بركان أسود على وشك الانفجار، وأنا أول ما ستقذفه الحمم.

تمنيت خيوطاً بيضاء تنسج سكينة في الهواء، خيوطاً زرقاء تأخذني إلى العلياء، خيوطاً ملونة تطرد هذا الظلام الجاثم .. مع أنني أنا من أطفأ النور، لأداري نفسي عن الحياة.

هأنذا .. المال في يدي، والكثير من الأصدقاء حولي، الا ان الخوف يعصف بي كأنني أعزل أمام عاصفة .. وفيما انا ساهم مع هذه الافكار .. رن الهاتف من جواري، فامتدت يدي المرتجفة نحوه .. ومع كل رنة منه كانت ضربات قلبي تتسارع بجنون .. خاطبت نفسي هامساً: أعلم أنها مجازفة، هذه الصفقة خطرة .. فلماذا الطمع؟! لقد جمعت من المال ما يكفيني لعدة عقود .. ما الذي يدفعني للمغامرة مجدداً؟

فتحت الهاتف وبصوت متقطع اجبت: «نعم؟» .. فجاءني صوت مألوف: «كيف حالك يا «أبو ساهر»؟» .. قلت بصوت باهت: «بخير، والحمد لله بخير» .. ثم أغلقت الهاتف على الفور.

سكن كل شيء حولي، إلا قلبي .. كأن شيئاً ينتظرني خلف هذا السكون .. صعدت إلى السطح، خطواتي تتمايل كأرجوحة في مهب الريح .. وصلت أخيراً، بدا الظلام هناك حالك كثقب في الفضاء .. وفجأة، رأيت مشهداً يجمد الدم في العروق: رجال يحيطون بالمكان، يحملون شعلات من نار.

أدركت أنني هالك حتماً .. أنني الهدف .. حينها صرخت: «سأعطيكم كل أموالي .. سأعالج مرضاكم .. سأمنحكم من الدواء النقي لا من هذا الفاسد الذي كنت أروج له .. فقط امنحوتي فرصة وإفهموني .. أنا أحترق، بل أنا محترق .. أرجوكم».

وما ان انهيت حديثي إذا بأحد العمال يهرع إلي قائلاً: «يا سيدي .. «ماهر»، مدير أعمالك، يقول إن الصفقة مرت بسلام استعد .. لم تتبقّ سوى أيام، وتزف إلى عروسك التي ستلد لك ولي العهد، بإذن الله .. لا تقلق، كل بيوت المدينة تنير ليلنا».

تنفست بعمق، كأن البركان داخلي خمد أخيراً .. ضحكت، وقلت في نفسي: «الحياة مستمرة، وها هو كل شيء يمر كما هو مخطط له .. سأضحك، وسأمضي، وسأحبس هذا الظلام في أعماقي، لن أسمح له أن يطفو من جديد»!!.

عدت أدراجي بخطى متسارعة، وفي قلبي رجفة من فيض الطمأنينة التي سرت في اعماقي .. جلست في غرفتي، أحصي أرباحي، أرتب طموحاتي .. وفيما انا غارق في العد داهمني ألم قاس .. شيء في صدري ينهشني كسكين .. لم أعد أستطيع الوقوف، ولا التقاط أنفاسي.

همست: «يا رب .. سامحني .. أرجوك، أمهلني وقتاً .. أُعيد فيه حساباتي واصحح اخطائي».. لكن الأنفاس راحت تتثاقل اكثر .. فيما الظلام عاد من جديد .. لكن هذه المرة لم يكن خارجياً، بل من اعماق اعماقي .. حاولت مد يدي نحو الهاتف ولكنني للأسف لم أبلغه..!!

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص