أحمد غيلان
«إيران» .. تصدير الثورة ينتهي باستيراد العقاب
الاربعاء 18 يونيو 2025 الساعة 23:36


بقلم: أحمد غيلان
منذ أن اعتلت العمامة الخمينية رأس النظام الإيراني عام 1979، تبنّى نظام طهران مشروعًا عقائديًا عدائيًا تجاه محيطه العربي، تحت لافتة واحدة: "تصدير الثورة".

ولم تمضِ سوى أشهر حتى بدأ هذا المشروع يأخذ طابعًا دمويًا مباشرًا، حين أشعل النظام حربًا عدوانية ضد العراق، استمرت ثماني سنوات، وخلّفت أكثر من مليون قتيل وجريح، وانتهت بهزيمة إيران عند الحدود العراقية.

ومنذ تلك الحرب، انشغل النظام الإيراني بحفر الخنادق وإشعال الحرائق ونسف الاستقرار، فأنشأ جماعات طائفية وعصابات مسلحة في أرجاء عديدة من الوطن العربي.


موّل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وعصائب أهل الحق في العراق، وزج بمليشيات أفغانية وباكستانية في الصراع السوري.

وامتد نفوذه إلى دول الخليج، فأنشأ الحسينيات وفرق التشييع السياسي في البحرين، والسعودية، والكويت، والإمارات، التي ما تزال جزرها الثلاث محتلة من قبل إيران منذ عام 1971.

ولخداع المغفلين حرص النظام الإيراني على رفع وتكرار وتسويق شعار: "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام"، لكنه على المستوى العملي جلب الموت لشعبه وللشعوب التي نشر فيها أذرعه وأدواته، كما أثبتت الأحداث أن هذا النظام وعصاباته هم اللعنة الحقيقية التي تجلب الكوارث حيثما حلوا، كما أنهم لم يجلبوا للإسلام والمسلمين سوى العار الشنار.


وحتى قضية العرب والمسلمين الأولى (فلسطين المحتلة) استثمرها نظام إيران وحوزاته أبشع استثمار، وأنشأت إيران عصابات وجماعات متمردة مسلحة إرهابية عنصرية في عدد من الدول العربية، جميعها تنتمي لما يُسمّى (فيلق القدس) وهذا الفيلق هو عبارة عن وعاء يستوعب العصابات والجماعات الإرهابية في عواصم الدنيا، ويتولى دعمها وقيادة أنشطتها غير المشروعة، ولم يُطلق رصاصة واحدة في أي حرب لتحرير القدس المحتلة، لكن العصابات المنضوية تحت هذا الفيلق أشعلت الحروب والتمردات ونشرت الموت والرعب والخراب في لبنان وسوريا والعراق واليمن.

على مدى نصف قرن انشغلت أنظمة إيران وحوزاتها وكهنتها بإذلال معارضيهم في الداخل، وبحياكة المؤامرات وإشعال الحرائق والتمردات والصراعات في بغداد ولبنان ودمشق وصنعاء، وبتفقيس وتسمين الجماعات الفوضوية، وبإنشاء الحسينيات والحوزات وحاضنات التطرف في دول الخليج ودول أخرى، في حين كانت إسرائيل تعد عدتها وتنشر جواسيسها وتفخخ جغرافية إيران بشبكات استخباراتية لا حصر لها، لتفوق إيران على وقع جحيم يتساقط عليها من السماء، وعمليات استهداف وتدمير من الأرض، لتكشف عن بلد مكشوف العورة، ونظام منفوخ بالغرور والشعارات، وأجهزة عسكرية وأمنية مخترقة ومجتمع مضطهد ينتظر الخلاص من القمع والفقر والخرافات حتى على يد الشيطان الرجيم.

فجر يوم 13 يونيو 2025، تلقت إيران ضربة إسرائيلية مباشرة وصريحة من الجو ومن الأرض، زلزلت الشارع الإيراني وأفقدت النظام توازنه.
وفي ساعات قليلة انتُهكت سيادة إيران، وضُربت منشآتها، وسُحق غرور النظام، وسقطت شعارات القوة.


وفي أيام معدودة استهدفت إسرائيل عشرات المدن ومئات المواقع الحساسة، بينها منشآت نووية، ومخازن ومنصات الصواريخ، ومعسكرات للحرس الثوري ومقرات أمنية، ومخابئ القادة والعلماء.

الضربة الإسرائيلية لم تكن مفاجئة إلا لأتباع النظام الإيراني ولقطيع السائرين وراء حماقاته وخرافات حوزاته بلا هُدى، في حين كان أولو العقول يتوقعون وصول الحال إلى هذا المستوى، من خلال قراءة واقعية لمعطيات سابقة، ليس أُولاها استهداف قاسم سليماني في العراق، وقتل إسماعيل هنية داخل قصر الضيافة الإيراني، ولا آخرها تدمير لبنان لاقتلاع حزب الله ومن بعده إسقاط نظام الأسد.

يعتقد النظام الإيراني وحوزاته وكهنته وصنمه الأكبر أنِّ ثمِّة من يمكن استغفالهم والتضحية بهم في معارك وصراعات يمكن الإبقاء عليها بعيدًا عن حدود إيران، وعلى أساس هذا الاعتقاد الانتهازي الأخرق غض الطرف عن مقتل سليماني وحاول استثمار مظلمة الشعب الفلسطيني ليدفع بحركة المقاومة "حماس" إلى المحرقة، ومن بعدها أحجمت إيران عن حماية حزب الله، وابتلع لسانه حينما أُسقط نظام الأسد، ودفع بعصابته الحوثية إلى القرصنة في البحر الأحمر، لتغامر بما تبقى من موانئ ومنشآت في اليمن، في ذات المحرقة التي تعتقد إيران أنه من حقها أن تضحي بكل البشر، بمن في ذلك العصابات التي لم تنشئها إلِّا لهذا الغرض.

وهذا الاعتقاد جعلها تلقي بأدواتها حطبًا في محارق لم تتوقف نيرانها إلا داخل جغرافية إيران، وها هي ألسنة اللهب تلتهم  المنشآت، وتستهدف القوة، وتقتل القادة والعلماء، وتحرق هيبة إيران المزعومة، بل وتحيط بمخدع كاهنها الأكبر،  وربما تهدد وجودها إلى الأبد.

الكيان الصهيوني المحتل ليس المخلِّص النقي الذي يمكن أن يعوِّل عليه المضطهدون والمستضعفون ومن طالتهم أذية نظام إيران لتحقيق العدالة بالاقتصاص من هذا النظام، لكن العدالة السماوية وعدٌ حتمي التحقق ولو بيد الشيطان الرجيم.

إيران تحصد ثمار ما زرعته أنظمتها الكهنوتية الإرهابية من دون شك، وسيدفع الشعب الإيراني مع نظامه الثمن، كما سيشاركهم غيرهم من شعوب ودول المنطقة تحمُّل بعض النتائج الكارثية، لكن الحصاد الأهم هو سقوط الشعارات والزيف والدجل، والعنوان الأنسب لهذه النتائج يجب أن يكون: 
انتهى مشروع "تصدير الثورة" باستيراد العقاب.

المقالات